إن المعلم التاريخي الواضح الذي سوف يكتب التاريخ ابتداءً منه في هذه المرحلة، في هذه المعركة العظيمة جداً بيننا وبين أهل الكتاب هو قيام الانتفاضة المباركة على الأرض المباركة، أرض الرباط في
فلسطين، كانت هناك أمور لا أستطيع الآن أن أفصلها إنما هي -كما تذكرون- كنا نجتمع ونجلس فكان السؤال دائماً والكلام والحديث دائماً عن العولمة، وكيف تجتاح العالم وكيف ستغير وجه العالم .. هكذا كانوا يخططون، كانوا يريدون أن يدخلوا إلى كل بيت، وأن يستغلوا الأسواق، ويأخذوا المعادن، وأن يأخذوا كل ما يستطيعون ونهباً، حتى إن الدول والحكومات بدأت تتنازل عن سياداتها، وبدأت تتنازل عن أشياء كثيرة إلا ما لا يجوز تخصيصه فقط، وما عدا ذلك يخصص وتأتي الشركات الغربية لتأخذه، وكانت دولة اليهود تظن أنها سوف تصبح سيدة المنطقة كلها وتتحكم في المنطقة كلها.
هكذا كانوا يخططون وكأن الأمة قد ماتت، وظنوا أن ما عملوه في
أوسلو وما قبلها وما بعدها قد قضى على هذه الأمة وعلى هذا الدين: ((
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ))[الأنفال:30].. ((
إِنْ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ))[الملك:20] فلما قامت هذه الانتفاضة المباركة وتفاعلت معها الأمة هذا التفاعل العظيم، وكشف الله تبارك وتعالى عداوة هؤلاء بهذا الشكل غيرت وجه المعركة، بل نقول: تغيرت الأحداث العالمية حقيقة، وتغيرت المواقف الدولية، وتغيرت أمور كثيرة جداً بناء على ما حدث في تلك الأرض المباركة.
ومن هنا نعلم أن هذه الانتفاضة وهذا الجهاد المبارك يجب أن يدعم بكل طريقة وبكل وسيلة من الدعم العلمي والدعوي والمادي، وبكل طريقة من الطرق، وهذا ليس وقت تفصيلها، وإنما المقصود هو أن العدو الذي تحرك وجاء من هناك لم يأت إلا لهدف مباشر وهو: إنقاذ وإيجاد هذه الدولة المجرمة الخبيثة؛ لكي يصبح اليهود والنصارى شيئاً واحداً.
بمعنى آخر: اتحد المشروعان: المشروع الصليبي والمشروع الصهيوني، فأصبحا مشروعاً واحداً، وأصبحتا جبهة واحدة، الأربعة الصهاينة الذين يتحكمون الآن في البيت الأبيض تفوقوا حتى على تجار السلاح، وهم الذين يديرون المعركة ولا يبالون أياً كانت النتيجة، ولذلك تجدون التناقض والغباء، فالآن كثير من الزعماء والمفكرين والكتاب والصحافة لم يعودوا يترددون في وصف الإدارة الأمريكية بالغباء، وبالغطرسة، وبالتناقض واللامبالاة وعدم الإنسانية؛ لأن الذي يتحكم فيها هم هؤلاء الذين لا دين لهم ولا أخلاق، وليس همهم إلا شيء واحد وهو محاربة هذه الأمة، وكيف يغلبون هذه الأمة، وكيف ينصرون إخوانهم اليهود الذين احتلوا الأرض المباركة
فلسطين.
فكأن الهدف كله اجتمع في هذا المحور وحده، وتأتي بقية الأمور والأهداف تبعاً لهذا، فالتنبه لهذا مهم؛ لأن الأمة واحدة، والعدو أصبح واحداً، والآن الجبهة قائمة على تلك الأرض المباركة، فيجب ألا ننساهم، وأن نجتهد بكل وسيلة وطريقة ممكنة من أجل أن يبقوا بإذن الله صامدين صابرين مجاهدين.
وفي المحاضرة التي سمعتم وسوف تطلعون عليها مكتوبة تفاصيل -ولله الحمد- لهذه الأمور من نفس الإعلام الصهيوني، من اعترافات المحللين والمفكرين هناك عن الحالة التي تريد الانتفاضة أن توصل إليها هذه الدولة، وبالتالي كل دوائر الكفر العالمي استيقظت وهرعت وذهلت من هذه النتائج السريعة والمريعة في أشهر معدودة، وبدأ الكل يتكالب ويتألب علينا، وهذا بإذن الله تبارك وتعالى مما يمهد للنصر، فنحن -كما قلت- لدينا المبشرات والإمكانيات التي تؤهلنا للبقاء والانتصار، ولعلها تأتي بإذن الله تبارك وتعالى في ثنايا الفقرات أو الوقفات التالية.